2013/06/05

عودة السندباد (مقال) بقلم محمد سالم أبو بكر


نشأ "السندباد" بين قومه طفلا وادعا آمنا، محببا لكل الناس، ذا مكانة مرموقة بين قومه وخلانه...إلا أنه سرعان ما بدت عليه مخاييل النباهة والذكاء،وارتسمت بين عينيه صورة رجل المستقبل.


تفطن أهله لكل ما تختزله شخصيته الفريدة مبكرا،فحاولوا الاعتناء به، وربوه تربية خاصة،فلم يبلغ سن الثالثة حتى بدأ يأخذ طريقه للتعلم،فحظي في جلساته الأولى باحترام أستاذته وزملائه، فانقسم الزملاء حوله شيعا شتى، بين خل معجب، وحاسد حاقد، وثالث ليس هذا ولا ذاك ...

بدأ "السند باد" مشواره التعليمي وهو ما يزال صغيرا،فكان يحوز قصب السبق كل سنة بلا منازع ... مما جعل الطلاب يتنافسون على كسب وده وصداقته، فضلا عن تلك النظرة الطيبة التي بات الجميع ينظر إليه بها .

وفي يوم من أيام الدينا "العصيبة" خرج رفقة مجموعة من زملائه إلى الشاطي لاستنشاق النسيم بعد سنة دراسية مليئة بالجد والتعب، فاختطفه أعوان الملك الأرعن "خريانوس" ،الذي أقسم جهده ألا يدع طفلا ذكيا في زمنه سجنه أوقتله، مخافة أن يدبر له كيدا ينتزع بموجبه مقاليد سلطته التي ورثها أبا عن جد،خصوصا أن المقربيين من عرًافيي الملك أكدوا له أن نهاية حكمه ستكون على يد طفل من مواطنييه يحمل ـ ضمن صفاته ـ الذكاء والرزانة والهدوء.

كان الملك "خريانوس" ملكا أحمق تقلبه حاشيه ورجاله كيف ما شاؤوا، ومتى ما شاؤوا... يؤلبونه ضد من يخالفهم التوجه والرأي، ويصفون من يخالفهم بالحماقة وعدم سداد الرأي.

فبما أن "خريانوس" كان ملكا في غاية الحماقة والسذاجة، كان يصنف العقلاء على أنهم حمقى، نتيجة عدم إدراكه لماهم عليه من العقل والسمو والرزانة وعلو الشأن.

كان "للسندباد" مع جلاديه من جنود الملك "خريانوس" حكايات فظيعة مؤلمة،بدأت باختطافه إلى جهة مجهولة ولم تنته بممارسة أبشع أنواع الإهانة والتعذيب ضده، فكانوا يغرقونه في بحر العذاب والإهانة والتنكيل حتى يصل إلى القرار،إلا أن والدته ـ لما علمت بالأمرـ رغم جزعها عليه،لم تقنط من عودته، فكانت تقول لأخواته "انظروا هل عاد "السندباد" ،لكنهم عندما ينظرون يعودون بكلمتهم المعهودة "لم يأت".

ظل "السندباد" صابرا محتسبا حتى شاءت الأقدار أن يلتقي ببعض مواطنيه الذين تجرعوا الكأس ذاتها من "خرياسونات" الممالك الأخرى، فكانوا يقبعون في زنان متقاربة،وكانوا يتحدثون عن مصيرهم،إلا أن الهاجس الأكبر الذي كان يؤرقهم هوحجم المأساة التي يعانيها الأهل، خصوصا أن معظمهم أختطف دون علم أهله. 

مرت السنون و"السندباد" يعاني الإبعاد والإهانة والضياع،وهو رهين محبسيه السجن، و"التيه"، حتى جاء ذلك اليوم الذي تغير فيه وجه المملكة "الخريانوسية"، فأطيح بالملك من قبل قائد جنده، وتعاقب على المملكة ملوك مختلفون،إلى أن جاء الملك الجديد الذي كان يعده بعض المواطنيين "الخرياسيين" أكثر تقربا للشعب من الحاكم الأول،بسبب كثرة وعوده التي لم يف بشيئ منها،فهم بالبحث عن "السندباد" لكن ثلة من فلول نظام "خريانوس" الأول حالت دون ذلك، لأن عودة "السندباد" بالنسبة إليها تمثل حقبة من تاريخها الأسود، الذي ارتكبت فيه كثيرا من الأخطاء ضد شعبها.

غيرأن المفاجأة أن "السندباد" عاد هذه المرة،وقد أختفى السجان وأفل نجمه،وجرد من سلطانه ... ولم يتبقى منه في ذهن الشعب سوى تلك الصورة القاتمة التي ترتبط في الأنا الجمعي "للخريانوسيين"،بالظلم والتعسف والجور والطغيان.

جاء "السندباد" ،و قد خاض كثيرا من المغامرات لكنها في السجن وليست في البحر، وأصبح رمزا للكرامة والعزة والشهامة ... وليس للنهاية ولللا عودة ... جاء إلى بلاد أحبها وأحبته ... إلى بلاد ما فتأت تذكره بخير... 

إلي بلاد ترحب به أيما ترحيب،وتصب من لعناتها على "خريانوس" قدر ما عانى "السندباد" من الظلم والإهانة والحرمان.



البريد الألكتروني medsalemaboubakr@yahoo.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق