2013/12/31

زورق الأحاسيس .. (قصة قصيرة)

في خياله الصغير بدا وجه الزمن مغبرا تعلوه غلالة حزن رقيقة تشف عن محيا الدهر الشاحب ووسط ركام سنين عمره القليلة كان يسمع همسات عابثة تخترق جدار الأمل ثم تتوارى خلف أسوار الأزل كحبات ثلج يتململن في مرمى أسنة شمس صيف حنق.


ألقت مساء أمس 30-12-2013 الكاتبة الموريتانية الشابة أم كلثوم بنت المعلى قصة من إنتاجها بعنوان "زورق الأحاسيس" مشاركة منها في مسابقة القصة القصيرة على هامش المهرجان التاسع للأدب الموريتاني.



زورق الأحاسيس..  


بقلم الكاتبة أم كلثوم المعلى

في خياله الصغير بدا وجه الزمن مغبرا تعلوه غلالة حزن رقيقة تشف عن محيا الدهر الشاحب ووسط ركام سنين عمره القليلة كان يسمع همسات عابثة تخترق جدار الأمل ثم تتوارى خلف أسوار الأزل كحبات ثلج يتململن في مرمى أسنة شمس صيف حنق.

كان صداها في ذاكرته الفتية يولد غمامة خوف من المجهول ، ولطالما زجرته أمه حين يلح عليها بالتساؤلات الغريبة فيسكت على مضض وبداخله رغبة جامحة في الخروج من أسوار الحياة الفولاذية ليمارس لعبة الاكتشاف والمغامرة.



همس شجي وحنين جارف يسري في أوصاله بعنفوان ممتع فيتمنى أن يعود أبوه عله يشاطره أطواره الغريبة ـ كما يقولون ـ ، على ذلك الطريق الموحش كان يخطو خطوات متباطئة و بداخله شعور قوي يحدوه إلى الإسراع ، تأخر الوقت وهو لا يزال في بداية الطريق ، كان يسمع أصواتا غريبة جلها يوقظ الخوف بداخله ، لكن ترنيمة عذبة داعبت حنايا فؤاده اليانع فأثارت سربا من الأحاسيس المضمرة الثاوية في ركن قصي من مخيلته التي يعتكف في محرابها ألف إحساس وإحساس ، قبل أن تتبدد تلك الترنيمة في الأفق الغربي ، وبلهفة كان يستجدي مسامعه لتعيد له حكاية ناي رواها النخل وسطرها اليراع ذات ليلة من ليالي أبي حيان على أديم أرضه أرض الرجال. 



لكنه تسمر في مكانه ، حين أحس في الظلام جسما غريبا يتحرك باتجاهه ، تسارعت ضربات قلبه وتلاحقت أنفاسه ، فجأة أرعدت السماء و أبرقت فعاد أدراجه رويدا رويدا ... بملء فيه صاح لكن دون صدى.. تساقطت حبات المطر ندية على جسمه الغض ، فتحسس جسمه ، لم يصدق؟ أين "دراعته الصغيرة" متى خلع نعليه؟ كاد يفقد صوابه وهو يتيه في الملحفة السوداء العريضة التي كانت تلفه من أعلاه إلى أخمص قدميه .



في ذلك اليم القزحي كان يعبر بزورق أحاسيسه الحالمة، و يجدف بجناحي قلبه المفعم بذكريات جده السندباد حين كان يسامر في مربد الليل القيسي مليون مئذنة ومئذنة ... بل حين عانق تاريخا أنار ألقه السحري دياجير الصحراء ذات زمان .



مرتلا ترانيم الخلود على أرواح الموج المنتحر على الشاطئ ، فجأة تملكه شعور قوي ومختلف حين وجد نفسه في حضن أم تهدهده و تنثر عليه ما تبقى من الحصى المبارك في صرة "النيلة القديمة"، وتبين بعينين نصف مفتوحتين خيطا أبيض في يد رجل سبعيني تحكي التجاعيد المبعثرة على وجهه قصة الأمس بكل تفاصيلها وهو يضربه بالخيط ذات اليمين وذات الشمال و يتمتم بعبارات لم يسمعها 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق