2012/02/15

لغة الضاد تصرخ

بقلم : بشير ولد خيري
قبل فترة تقارب عقدين من الزمان قرأت لأحد المفكرين (أن أمة لا تهتم بلغتها لا تملك مقومات البقاء والنهوض) فظننت يومها أن الأمر مجرد مبالغة منه كفيلسوف أو مفكر ومع مرور الأيام وجدت كثيرا مما يؤكد صدق حديثه، وبقي عالقا في ذهني سؤال يقدم أساسا للمثقفين ومن يدّعون التفرنُس هل تستحون من أن تنتسبوا إلى لغة الضاد ؟ أم أنكم ترون التقدم والتحضر في انسلاخكم من لغتكم وهُويتكم؟

كل من تحدثه ممن يقدسون الفرنسيه على العربية يقول لك نحن نتعامل مع الأجنبي.. ، ولا أظن اثنين يختلفان في أن هذه من الأمور التي تقدر بقدرها خاطبهم بلغتهم عندما تكون معهم ، ولكن لماذا يكون الخطاب كله داخل المؤسسة الواحدة الجميع فيها عرب ومن أبناء البلغاء والفصحاء بلغة المستعمر( أو المستخرب كما يسميه أستاذنا الدكتور: أحمد علي الإمام ) – ماهي الضرورة هنا ؟

كلنا يعرف أن موريتانيا أصلا يطلق عليها بلاد المليون شاعر ، وبلاد شنقيط وتعرف في عمقها العربي ببلاد الفصاحة والبلاغة ، كل هذه الأمور يثيرها فيك ويدهشك مواقف تراها أمام عينك في الحياة اليومية الواحد منهم إن أراد أن يقول لك: (نعم قال: oui) وإن أراد أن يقول: (فهمت قال: dacord ) وإن أراد أن يقول (لماذا؟ قال: pourquoi? ) وإن أراد أن يقول: (كيف؟ قال: commen?) ، وعندما تدخل وزارة تمثل موريتانيا يفاجئك الواقع بأنك لأيام لا ترى وثيقة واحدة مكتوبة بالعربية وإن شاهدتها قد لا تستطيع قراءتها بسبب الركاكة والأخطاء؟! والمواقف التي تؤذي في هذا الباب كثيرة منها: وزير شؤون إسلامية سابق يحضر مؤتمر لمنظمة دولية اسلامية اعتذر عن تقديم كلمة موريتانيا لأن المنظمين للمؤتمر اشترطوا عليه تقديمها بالعربية ... ، ومنها : إطار كبير لعله أمين عام وزارة جمعتني به علاقة خاصة وأراد أن يكتب رسالة خاصة إلى أقرباء له في المشرق العربي فجلس ساعة يكتب ثم يقطع الورقة ويقول: هذا غير صالح وفي النهاية صرح لي بأنه لا يستطيع كتابة الرسالة بالعربية هل يستطيع كتابها بالفرنسية ، ومنها: في عام 2010م مستشار موريتاني معروف باسمه ورسمه في ندوة لعلماء غرب إفريقيا بانواكشوط يجلس على المنصة ليقدم ورقة عن تجربة موريتانية وطلب منه الحديث بالعربية فبدأ الحديث في تعثر واضح وبعد خمس دقائق اعتذر بأنه لا يستطيع أن يقدم الورقة بالعربية ولا بد له أن يقدمها بالفرنسية فأذنت له المنصة على مضض فبدأ وكأنه سيل ينحدر من عل، هل علم هؤلاء أن الأمم يرتفع شأنها وتعظم قيمتها بتعظيمها لهُويتها ولغتها ؟

هل قرأوا في الأثر قول النبي صلى الله وسلم أحب العربية لثلاث، لأني عربي، ولأن لغة القرآن عربية، ولغة أهل الجنة عربية؟ وقد أكد ابن خلدون أن غلبة اللغة العربية بغلبة أهلها، وأن منزلتها بين اللغات صورة لمنزلة دولتها بين الأمم ، وقد أجاد في هذا المجال المفكر العربي عزمي بشارة بقوله: ( إن الهوية العربية هي لغة وثقافة ووعاء حضاري، وعندما تتشكل هذه الهوية تتقاطع مع الجغرافيا والتاريخ، فتشكل مفهوم القومية، قاعدة الوحدة السياسية. فالثقافة هي الحافز الفكري لتفعيل العمل، وتطوير الحياة، وصناعة الحضارة، واللغة العربية هي روح هذه الثقافة وحامل إبداعها ومشروعها قديماً وحديثاً، وهي الأداة التي توفر للأجيال إرادة التغيير وفعله، والقدرة على مواجهة تحديات المستقبل والتمسك بالهوية ).

وهنا جدير منا ذكر ملاحظتين من الواقع المعاش لعلنا نتأسى ونقلد إئتساء وتقليدا نافعا:

الأولى: قمت بجولة في انواكشوط ولاحظت ظاهرة المحلات الصينية المنتشرة الآن في انواكشوط فلم أجد واحدا منها نسي لغته الصينية الأم وبعضهم كتب الصينية قبل العربية وبعضها لم يكتب العربية أصلا واكتفى بلغته .

الثانية: في الأسبوع الماضي بعد القرار الذي أصدره وزير الداخلية الفرنسي بترحيل الطلاب العرب في فرنسا أسست جهات من المثقفين وأساتذة الجامعات تحالفا للتضامن مع الطلاب العرب من ضمن بنوده الأساسية يقولون: (هؤلاء الطلاب شرفونا باختيارهم فرنسا وهم سيسهمون في نشر لغتها؛ لهذا لزاما علينا حمايتهم ومناصرتهم)

لهؤلاء المقلدين أقول إن كنا معجبين بالفرنسيين فكيف تكون لغتهم عندهم مهمة ولغتنا لا تساوي شيئا عندنا ؟ وكيف لا نحجز لأنفسنا مكانا بين الأمم ونهتم بلغتنا ولو تأسيا بالتجار الصينيين ؟ فهل نحلم يوما أن تصدر سلطاتنا قرارا بأن اللغة الرسمية للبلاد هي اللغة العربية ولا يجوز لمسؤول في المحافل الدولية أن يقدم خطابا رسميا بغيرها ؟ وهل شهدتم يوما رئيس تركيا في محفل يتحدث بغير التركية؟ أو الرئيس الإيراني يتحدث بغير الفارسية ؟ أو الصيني يتحدث غير الصينية ؟ أو الفرنسي يتحدث غير الفرنسية ؟ أو...أو... ؟ وفي الجميع السبب ليس عدم معرفة لغة أخرى !!

ولكن الأمر أمر سيادة ، رد الله إلينا سيادتنا

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق