2012/05/20

إنها الأفكار تنتقم لنفسها يا عزيز!! (مقال)


بقلم: المختار ولد القاسم  
يبدوا أن الفيلسوف والمفكر الجزائري مالك بن نبي - رحمه الله -  كان يدرك تماما وهو يشير في كتابه: مشكلة الأفكار في العالم الإسلامي ، إلى أن الأفكار التي تتعرض للخيانة تنتقم لنفسها، كان يدرك أن هناك "ميكانيكيون" لا يفهمون إلا لغة الماكينة، وبالتالي يحتاجون إلى تبسيط هكذا أفكار، فشرح الفكرة وحاول تبسيطها وتوضيحها أكثر فقال: "ومن اليسير أن نفهم هذا(انتقام الأفكار لنفسها)
على الصعيد التقني (الميكانيكي)، حيث الانتقام فوري إذا ما انفجرت ماكينة سيئة التصميم أو انهار جسر لسوء البناء"، إلا أن "الميكانيكي" الموريتاني محمد ولد عبد العزيز الذي لم يدرس علم الميكانيكا (نظريا) لم تشفع له خبرته العملية في استيعاب الدرس، و"فهم" هذه الفكرة.


 فغابت عن ذهنه ، وأذهان حاشيته من "مفكري" وخدم القصر الرمادي قبل عامين ونيف، وهم يضعون برنامج "التغيير البَنّاء" ، ويبدعون في اختيار شعاراته البراقة، ويصممون عماراته الشاهقة، ويطلقون وعوده الكاذبة: (محاربة الفساد،القضاء على الجهل والفقر،تعمير الأرض والاستخلاف فيها...)، مسخرين لتسويق  ذلك،  جيشا "إعلاميا" واستخباريا، يمتهن التدجيل والخداع ، ويقتات على لحوم الفقراء، ويسطر الأكاذيب بدمائهم  ... دون أن "يفهموا" أن الأفكار السامية: كالإصلاح ومحاربة الفساد، ومحاربة الفقر والجهل، ونشر الحرية و"توزيع العدالة "، وتعليم الناس و"تكوينهم".... كلها أفكار تتسم بصفة القداسة التي تستمدها من الأنبياء والرسل الذي جاءوا من أجلها ، والكتب السماوية التي أنزلت للتأكيد عليها ، مما يعطيها مناعة تُحصنها من الاستغلال من قبل أي طاغية  يريد إشباع رغباته الفاسدة، وتتبع نزواته الطائشة ، واستخدامها كشعارات "فضفاضة" لاستعباد شعبه، والضحك على عقله الجمعي... بل إنها تمتلك طاقة خارقة تمكنها من الانتقام لنفسها من أي "خائن" يحاول استغلالها، و"المتاجرة" بها. ولعل عزيز يعيش اليوم على وقع الصدمة الأولى لبداية انتقام أفكار خانها ولا زال يخونها.


فشعار محاربة الفساد تبين للشعب زيفه وكذبه ، فتوالت "الفضائح"، وانتشرت الوثائق ، وتحدث الواقع .... فساد على كل الأصعدة وفي كل المجالات ، ثروات تبدد ، وممتلكات تنهب، وأراضي مستضعفين تصادر، صفقات مشبوهة وخطيرة، تصفية لحسابات وتعيينات على أساس القرابة والولاء، محسوبية وفساد كبير في كل البرامج والمشاريع (ألم 2012)، إهمال لمشاكل الوطن، واستخفاف وسخرية من مطالب المواطنين.... كما أن الفكرة التي أنتجتها موهبة الجنرال، وجادت بها قريحته – قبل أن تسرقها المعارضة لاحقا – (فكرة التكوين) وتطوير التعليم وإعادة هيكلته،  كان انتقامها – بعد خيانتها –شديدا، فلم يعش التعليم وضعا منهارا، ومستوى متدهورا، كما نشهده اليوم؛ فالجامعة مطوقة بسيارات وعناصر الأمن ، والمعهد العالي تحول منذ فترة إلى مفوضية للشرطة، والطلاب ما بين معتقل ومطارد، وأساتذة المعهد مضربون، وتلامذة المدارس والثانويات  يتظاهرون ثم يسجنون، وأساتذتهم في إضراب مفتوح ... وابن الجنرال المدلل يجلس على الكراسي الوثيرة في ثانوية الامتياز من غير ما مسابقة أو امتحان.


أما الممارسة الديمقراطية، و"إصلاح الحياة السياسية"، فحدث ولا حرج، فبعد حملة إعلامية وسياسية قادتها "كتائبه البرلمانية" أنذاك ، قام الجنرال - المتمرد على قرار رئاسي بإقالته - بتدنيس الدستور الموريتاني  بحذائه الخشن صبيحة الثالث من أغسطس 2008م، ليئد تجربة ديمقراطية كان الموريتانيون يفتخرون بها – على علاتها – ويأملون أن تنضج أكثر فأكثر.... لكنه اليوم يدفع ثمن "فعلته" غاليا، فيشرب من نفس "الخلطة" التي أعدها سابقا للرئيس المنتخب سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله، مبررا من خلالها انقلابه المشؤوم؛ فالمؤسسات الدستورية معطلة ، والحياة السياسية متأزمة، والشورى مع أهل الحكمة والعقل مغيبة، ولا صوت يعلوا فوق صيحات الرحيل ، ولا يلوح في الأفق إلا تباشير السقوط ...


 فالجنرال يطالب من خلال "كتائبه" بما حَرَم منه سلفه سابقا (إكمال مأموريته)... وأنًى له ذلك.. فالجماهير التي خرجت من شرق البلاد إلى غربها ، ومن شمالها إلى جنوبها... شوقا إلى العدل ، وتلقفا لنسائم الحرية ، وصونا للكرامة ، ورفضا للاستبداد والطغيان و"الاستعباد"، لن تعود قبل رحيل الطاغية عزيز ، ولن ترضى بغير الرحيل ، كما لن تثنيها ألاعيبه الصبيانية عن هدفها (النبيل)،  فإحراق الكتب ، والمتاجرة بالدين (الحديث عن تطبيق الشريعة) ، واللعب بوحدتنا الوطنية ، والإعداد لتوريط قادة المعارضة ، واستهداف جهة سياسية بعينها ،  إلى غير ذلك من الأفكار"الأمنية" الخبيثة التي "يفكر" فيها الطاغية من حين لآخر لن تغير في الأمر شيئا، بل ستعود عليه.  فالشعب قال كلمته واتخذ قراره، وأعد نفسه ليوم الخلاص ، يوم الانتقام من الطغاة، يوم الاستقلال الثاني، يوم رحيل الجنرال وسقوطه... يوم الفرار أو السجن أو الاختباء في المجاري....((ويقولون متى هو قل عسى أن يكون قريبا)).


المختار ولد القاسم 
 ouldkassem@gmail.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق