2013/07/28

تلك التي أحبتني

أحبتني طفلة ذكرتني بها هتان الجالستان .. اليسرى مستندة على اليمنى بكل عطف، لا زالتا متشبثتين بالغصن الذي عاشتا متعلقتين به و في حضنه منذ كانتا زهرتين، في بستان ملؤه الدفء و الأمان، تتذكران كل شيء.. الرسائل العفوية التي كانت تحملها الفراشات بينهما كل حين.


 بقلم: المهندس أبو بكر زين

و أنت أيضا ألم تتذكر ذلك القلب الذي يعطف عليك دائما رغم جفائك له أحيانا كثيرة؟.. معلق بك لا يستطيع الفكاك ولا يقوى عليه.


حينما تغيب هي عن المنزل، تتقاذفك الظنون كل حدب وصوب.. خوفا على شرف العائلة.. و آخر ما تتذكره هو سلامتها..و حين تغيب أنت يبقى قلبها مشدوها.. خائفة عليك.. هل تشاجرت؟ هل صدمتك سيارة؟ .. تبحث عنك، تحاول الاتصال بك مرات و مرات دون ملل.. لماذا لا ترفع السماعة؟ لماذا؟.

كلما تتمناه هو أن تكون تجاهلتها في غمرة لهوك مع أصدقائك.. لكن أين أنت الآن؟ لماذا لا ترد؟.

كل صورة مخيفة لك تهاجم خاطرها المسكين.. هل منظرك البائس في قسم الشرطة، على وجهك آثار الكدمات، و يداك مكبلتان إلى الخلف، لا حول لك ولا قوة هو الذي سيفجع قلبها؟.. أم منظرك المخيف على سرير في المستشفى مضرجا بالدماء.. هو الذي سيقضي على ما تتشبث به من الوعي حتى الآن؟....


و أخيرا، تفتح الخط، تكاد من الضجر تهشم الهاتف المسكين الذي في يدك:


ـ يوووه! آلو مرة أخرى! ماذا تريدين أيضا؟
ـ الحمد لله.. أين أنت؟
ـ أين أنا! أهذا ما تريدين من كل هذا الازعاج؟!.. 
ـ الحمد لله.. الحمد لله.
ـ الحمد لله على ماذا؟ لا أريد أن أعرف.. إياك أن تعاودي الاتصال بي اليلة مرة أخرى!.. سأتعشى و أبيت مع أصدقائي.. و أخرسي عني هذا الهاتف المشؤوم!.. مفهوم؟
ـ متى ستعود؟
ـ يوووه!
ـ اعتن بنفسك.. لا تتأخر.

ما أسعدها بذلك التقريع الذي أسمعتها بنفسك.. تحمد الله أنه ليس صوت رئيس قسم الشرطة، و لا رئيس مصلحة الاستعجالات الطبية.


لا أنسى يوم خرجت أتطاير شررا عندما سمعت أن صديق طفولتي تشاجر في الحي.. مسرعا نحو الباب، ممسكا بيدي قضيبا من حديد.. كل ما أريده هو أن أفلق رأس ذلك الفتى الذي ما فتئ يضايق الأقران، و اليوم يتطاول على "فخر الدين".. هذي آخرتها!

طار عقلك قبل أن يطير طرف ملحفتك، و انهار خاطرك قبل أن تتعثري و تسقطي عند الباب محاولة منعي من الخروج.. تستجدينني تتشبثين بالجلوس في الباب غير مبالية بوحش الثأر الذي يزأر يتهددك إن لم تخلي سبيلي.. مهيضة الجناح.. كسيرة الخاطر.. صحراء المحيا إلا من دمعتين تحتقنان في مقلتيك احتقان الحروف و الشهقات في حلقك.. كان نصيبك أن دستك بقدمي و وتعثرت ساقطا على فمي خارج الباب.. تهرعين مسرعة خلفي بينما أتهددك أن لترجعي.

لم يكن الخصم كما توقعت.. كان ضخم الجثة أكبر مني بكثير.. وبدالي واضحا أن لا قوة لي على النزال، ولا سبيل إلى الرجوع أدراجا.. على كل حال "فخر الدين" الذي جئت ألبيه لن يتخلى عني.. ذلك هو قلب الأخت.. قلب الأخت فقط.. تلك الغيرة المفرطة، لحد الإزعاج.. لكنها في الاتجاه الذي يتفانى في خدمتك..


ألا ما أظلم لغتكم أيها العرب ! تسمون فاقدة أبيها يتيمة، و فاقدة ابنها ثكلى، و فاقدة زوجها أرملة.. فماذا تسمون فاقدة أخيها؟ لماذا لا تطلقون عليها صفة؟ .. ربما لأن صفتها من الكلمات التي لا تقدر الحروف على تمثيلها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق