2015/08/15

كلنا "أيتام القذافي" مقال بقلم: صلاح الدين الجيلي

بداية، كلُ من يظن أن الثورة التي أطاحت بالقذافي، هي ثورة حقيقية انطلقت من أعماق الشعب المغلوب على أمره كما يصفونه في ( الجزيرة ) و غيرها، و كل من يظن أن القذافي ديكتاتور جبار أُخرج من حفرة مجارِ قذرة، لكل أولائك أقول، لم يُكتبْ هذا المقال لتقرؤوه، لأنه ببساطة لن يُغير من أفكاركم و لم يُكتبْ لِيُقنعكم بشيء.


كانت عقود الشركات النفطية في ليبيا , تنص و بالحرف الواحد على منح قيمة تتراوح بين 90% و 70% من قيمة الإنتاج للشركة الأجنبية و الباقي فقط هو كامل دخل الحكومة الليبية , استمر الحال على ماهو عليه حتى يوم 21/07/2001 حيثُ تمت دعوة جميع رؤساء الشركات النفطية الأجنبية في ليبيا لاجتماع بتاريخ 25/07/2001 في مبنى مجمع أزويتينة النفطي , لم يلتقوا بسيف الإسلام و لم يُحاضر عليهم القذافي و لم يُشاكسهم الساعدي، بل إلتقاهم المدير العام للمؤسسة الوطنية للنفط، شكري غانم وأبلغهم بكل وضوح و بدون مترجم، أن مؤتمر الشعب العام قرر بما لا يقبل مجالا للتراجع، أنه يجب النظر في العقود و الامتيازات الممنوحة للشركات الأجنبية و أنه ستُوزع عليهم صيغُ جديدة لتلك العقود، فإما أن يقبلوا و إما أن يرفضوا وأن المؤسسة الليبية للنفط بإمكانها أن تحل وسريعا مكان أي شركة لا ترحب بهذا القرار، رفع مدير شركة جيوفيزيكا الكرواتية المتعاقدة مع هاليبورتون الأمريكية ( تيمور يوكيتسا ) يده، طلبا للإذن، فأعطي له الكلام، سأل بتهذيب كبير، ما هي بالتحديد النسبة التي ترغبون في اقتراحها على الشركات من قيمة الإستخراج السنوي، فقال شكري غانم، هناك شركات ستأخذ 10% و هناك شركات ما بين 21% و 14%، ضجت القاعة بالهمهمات و الأصوات المستهجنة، ضرب شكري غانم يده على الطاولة، ليصمت الجميع، وقف و قال، ستوزع عليكم المسودات بعد ساعة من أعجبته فليبلغ ضابط الإتصال الليبي و من لم يُعجبه فليُقدم طلبا لخروج معداته من ليبيا و سيوافق عليه حالا، أما مسألة أن تأخذوا نفطنا مقابل تركِ 10% لنا فذلك ماضِ إنتهى .

في تصريحات لقنوات أجنبية، تعهد لوبي النفط العالمي، ممثلا في مندوبي بريتش بتروليوم و هاليبورتون و شركة هندية لا أذكر إسمها الآن ، تعهدوا ببذل كل ما يلزم، للإطاحة بهذا النظام و لمحوا بأن هناك في الخارج و بريطانيا تحديدا من أبناء ليبيا الصالحين من هم أدرى بمصلحة ليبيا من هذا الدكتاتور المعتوه، بعد الإطاحة بالقذافي و التمثيلية السخيفة، و إدخاله في تلك الحفرة، ثم إخراجه منها، ليضج العالم بصوره مضرجا بالدماء، في نفس المسرحية التي أقيمت لحظة القبض على صدام حسين ومن قبل ذلك إسقاط تمثاله، حيث فضحت قناة BBC  الشركة الأردنية التي قامت بتأجير 250 عراقيا يلبسون ملابس مدنية قاموا بملازمة الجرافة التي أطاحت بالتمثال الشامخ، ثم قاموا بضربه بأحذيتهم لِيُوهموا الرأي العام بأن صدام حسين إستحق ثمن معاملته لشعبه (انظروا لحال العراق الآن – انظروا لحال ليبيا الآن – قارنوا أيها العقلاء)، أقول بعد الإطاحة به و في 29 إبريل 2012 وُجد مدير المؤسسة العامة للنفط شكري غانم غارقا في نهر الدانوب بالعاصمة النمساوية فيينا، بالطبع تم تشخيص سبب الوفاة، بأنه تعرض لنوبة قلبية أثناء سباحته، وهو المعروف بأنه لا يُمارس من الرياضة إلا رياضة المشي وحدها، لكن في زمن الرداءة، قد يتعلم أحدهم السباحة، إذا تحالف العالم كله ضده.
أوردتُ هذه النبذة ليكون الجميع على علم بأن الربيع العربي لم يكن إلا صيفا صناعيا مصطنعا , لتحقيق رغبات أجنبية و في الحالة الليبية إنتقاما جند له الأوربيون كل طاقاتهم المالية و المخابراتية و العسكرية في سبيل قتل القذافي، و إزاحته عن المشهد نهائيا، لتبقى أنابيب النفط تصب عند أقدامهم مجانا أو تكاد.

كثر الكلام في موريتانيا عن عبارة أيتام القذافي ردا على أي شخص درس في ليبيا أو سكن في ليبيا أو حتى مر بها يوما إلا وقال له في معرض رده عبارة – أيتام القذافيكأنها دمغة تُلخص كل معاني السخرية، و كأن قائلها يُحرض القارئ على أن يهزأ أيضا من يتيم القذافي المزعوم، لكن مُطلق هذه الصفة، لا يعرف كيف كانت السلطات الليبية تُعامل الجالية هناك، لا يعرف أنه في عز أيام ترحيل ليبيا للعرب و الأجانب، كان الموريتانيون، يُعفون من كل المضايقات و الترحيل، لا يعرف أنه و بعد قرار اللجنة الشعبية العامة للتعليم، القاضي بدفع رسوم دراسية على العرب و الأجانب، تم إعفاء الجالية الموريتانية و السودانية فقط من ذلك القرار، من يقول ذلك لا يعرف أنه في جامعة ناصر المخصصة للعرب و الأجانب فقط، كان كانت هناك منحة مخصصة للطلاب الموريتانيين، عبارة عن كرسي دراسي مجانا، و منحة للمصاريف الدراسية بقيمة 115 إلى 150 دينارا شهريا مجانا لا قرضا و لا دينا، هذا ناهيك عن الحفلات والاستقبالات و الدورات الرياضية و التعليمية المجانية، و أعني تلك التي نُقيمها نحن و تخصنا، كأعياد الاستقلال، و المعارض التقليدية و غيرها، يُرحبون بنا و يُقدمون لنا كل التسهيلات المالية و التنظيمية وحتى وسائل النقل يُوفرونها، و أتحدى أي جالية أخرى حظيتْ بما حظيتْ به الجالية الموريتانية، فكيف لا نكون أيتام القذافي، هل لأننا، نُوفي بالعهد، هل لأننا  رأينا بأم أعيننا قائدا عربيا  تمالئت عليه كل القوى الأجنبية الكافرة  و رأينا بأعيننا زيف القنوات الأجيرة وكذبها في ما سُمي بثورة تونس و مصر، ثورة تونس التي قالوا بأن سببها  ضَربُ شرطية للبوعزيزي على وجهه، و هي فرية كبرى و كذب و تلفيق، بل تلك الكذبة كانت فبركة من المباحث الداخلية لامتصاص غضب الشارع على البوعزيزي المحترق و في اليوتيوب و صفحات الإنترنت أكثر من دليل على زيف الصفعة المزعومة، نعم نحنُ أيتام القذافي، الذي كان الفقير في دولته يمتلك مزرعة و بيتا و سيارة و راتبا من الضمان الاجتماعي و راتبا آخر لزوجته و إعفاءا من الضرائب، نعم، لا تستغربوا  الدكتاتور فعل ذلك، الدكتاتور كان في كل سنة يُقدم معونة، تُسمى هدية الشعب الموريتاني، تأتيه مباشرة عن طريق بنك شنقيط حاليا، المصرف العربي الليبي الموريتاني سابقا، لكنكم تعرفون أين تذهب الهدايا و المنح، صدقوني كانت بالملايين و أحيانا أكثر، كالمعونة التي قُدمت للطينطان، و التي رأيناها في التلفزة الليبية و التي استمر شحنها أياما، و تم إرسالها مع 200 مليون دولار و كانت القيمة الأضخم في المساعدات التي تلقتها موريتانيا , فهل بُنيتْ الطينطان ( كل من كان في ليبيا , أيام غرق الطينطان , يُدرك صحة الرقم).
نعم نحنُ أيتام القذافي و أيتام صدام حسين و أيتام المختار و لد داداه و أيتام كل شريف عربي، سخر وقته و طاقاته لخدمة شعبه , لكن في ظل المال الخليجي المتدفق و في ظل كُره الخليجيين للقذافي، تأججت القنوات المسعورة، و لفقت من الأكاذيب و التقارير و الصور، ما هو كفيل بأن يُثبت للمرء بأن أمه ليست أمه و بأن أباهُ دخيل مغتصب، فكيف برجل إمتلأ منه الجميع غيظا و حنقا، هو المتمرد الذي أبدل شعبه الأكواخ عمارات و الشوارع المتربة أنفاقا و شوارع سريعة في فترة قياسية، حتى أن الشيخ زايد، تمنى ذات يوم أن تشهد الإمارات ثورة عمرانية كما شهدتها ليبيا في السبعينات، تلك الفترة التي شهدت بناء أول جامعة دعوية إسلامية في العالم (جمعية الدعوة الإسلامية العالمية)، الآلاف من طلبة العالم الإسلامي، بتذاكر سفرهم في كل عطلة بأكلهم بشربهم بإقامتهم لمدة أربع سنوات، كل ذلك مجانا، فهل سجلتُم يوما بأن القذافي استعملهم لقتال طرف ما أو استعملهم كدروع بشرية، أو حتى اختار من فتياتهم من يُسليه على رأي المارق الخائن عبد الرحمن شلقم أو تلك الفرنسية العقيم، التي كتبتْ عن نزواتِ القذافي في كتابها ( حريم القذافي) لِتُقدم بعد ذلك إعتذارها وتسحب الكتاب في نسخته الفرنسية، بعدما واجهتها صحفية فرنسية جريئة نشرت إفادتها عن ما شاهدته و كتبتْ عنه، ثُم قدمت شهادتها أمام البرلمان الفرنسي و هي شهادة موثقة على اليوتيوب.

القذافي الذي نحنُ أيتامهُ، حفر الآبار للمسلمين في جميع أنحاء العالم، خاصة أقاصي آسيا و مجاهلها، أتحدى أن تكون هناك دولة إفريقية أو دولة عانت من مجاعة أو مصيبة و تأخرتْ عنها المساعدات الليبية، هل نسي أبناء موريتانيا حرب الصحراء و الأسلحة الليبية، إقرؤوا كتابات السفير الليبي سابقا في السعودية محمد سعيد القشاط الذي زار موريتانيا كمبعوث للقذافي كامل الصلاحية، في فترة السبعينات، زارها مرارا و تكرارا، رافضا محاولة المغرب الهيمنة على المنطقة، تماما كما فعل صدام حسين، أيام الصدام مع السنغال، حين قالْ، لِتعد السنغال لوثنيتها

إن الذين خطفهم بريقُ الجزيرة و فصاحة صحافتها و سلاطة ألسنتهم في غير حق، لم يسكنوا لبييا ولم يعرفوا ليبيا ولم يدرسوا في ليبيا، الذين يعيبون على القذافي تظاهره بما يصفونه العظمة، أولائك لا يفهمون القذافي ولا يفهمون العظمة، حُقُ للقذافي أن يكون مميزا، لأنه بنى و لأنه علم شعبا أميا جاهلا، و لأنه أعطى حين بخل الجميع , كان يُطارد حلما عربيا قوميا مات معه و مع صدام حسين، نعم للقذافي شطحات قد تكون طريفة أحيانا، لكنها صادمة و حقيقية حين نتمعن فيها، راجعوا خطاباته و اتركوا الجانب الترفيهي فيها و أنصتوا لها و قارنوها بواقعنا الآن، كان يستشرف المستقبل بكل وعي لأبعاده، قبل أن يموت، قال بأنه لا يخش الناتو و لن يهرب لفنزويلا و لا غيره، كان ذلك قبل إعلان الناتو عن تدخله، لكن القذافي كان يعرف كما صرح مرارا بأن كل ما كان و ما سيكون هو من أجل النفط لا من أجل سواد عبون الليبيين، مع العلم أن كل المعارضين الذين أطاحوا بالقذافي لا يُوجد الآن في ليبيا واحد منهم و لا واحد، كلهم أشعلوا النار و أدوا دورهم ببراعة، فمنهم من قام بتمثيل دور الباكي الخائف على وطنه , و منهم من قام بدور الناصح الإسلامي، و منهم من أدخل المال و السلاح و منهم ومنهم , لم يبقَ منهم أحد . في القمة العربية الأخيرة التي حضرها القذافي، قال للجميع، بالأمس شُنق صدام حسين و الدور القادم آتِ علينا جميعا , ضحك الجميع، و لكم أيضا أن تضحكوا فقد مات الرجل

خلاصة القول، و أنا الذي لم أدخل يوما مكتبا للجان الثورية و لا مركزا للشرطة في ليبيا و لا اجتماعا له شبهة رسمية أقول، بأني لا أعرف مواطنا موريتانيا واحدا، سكن أو درس في ليبيا، سينالُ منه أحد إذا وُصف بيتيم القذافي وفي الحقيقة كلنا أيتامه، فنحنُ تلقينا مساعداته، نحنُ صلينا وراءه، نحنُ استأجرنا جميع السيارات رباعية الدفع لنعبر الصحراء نحو النيجر لكي لا تفوتنا ركعة معه، نحنُ الذين سرقنا أموال البنك الليبي، نحنُ من تنازعنا تركته الباقية عندنا من أراضِ و أموال، نحنُ من بعنا جهارا نهارا السنوسي في صفقة لا يقوم بها إلا الأنذالْ، نحنُ الذين توسلنا للسفارة الليبية بأن تُقدم التسهيلات لجمعية الدعوة الإسلامية لحفر بئر هنا أو هناك، ثُم و حينَ انصرافهم، يأتي وزير شبحْ، لِيُعلن أن البئر من إنجازات فخامته، نحنُ و نحنُ، ما يُضحك فعلا أنك تجد مثقفا يكيلُ السب و الشتم للقذافي، و هو يأكل باستمتاع (أطاجين) صدقات اللحم القادم من السعودية، نحنُ لا نخجل، أبدا لا نخجل، رحم الله القذافي و جزاه عني و عن أهلي و عن الجالية الموريتانية و عن كل فقير في بلدي و عن كل مسلم آسيوي فقير، جلبته جمعية الدعوة، من حيثُ لا مطار و لا تعليم، ثم علمتهُ و أنفقتْ عليهِ ليعود لأهله داعيا للإسلام، رحم الله القذافي بما ساعد به الثورات الحقة في أمريكا اللاتينية لرفع الظلم عن الأخ في الإنسانية، و كما قال تشي جيفارا حيثُ ما يكون الظلم، يجبُ أن أكون، و بالمناسبة هناك معانِ أخرى لليُتم غير ما تسخرون به من القذافي و جاليتكم هناك، يكفي من معانيه، تلك الصور التي جمعتْ جميع رؤساء الأحزاب في فندق أطفيلة على مائدة القذافي ومن ثم الصلاة خلفه في صورة جامعة مانعة، ثم لكم أنْ تسخروا منا، فقط قبل ذلك، اكتبوا لنا عن معنى اليُتمِ و اللُؤمِ، تُوصفُ الكلابُ بالوفاء، فكيف يُعابُ على من كرمه الله أن يكون وفيا لمن قدم له ما لم و لن تُقدمه له بلاده، ما لكم كيف تحكمون .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق