2013/01/21

حتى لا تٌحرك "المروحة" في وجه عزيز!! / المختار ولد القاسم (مقال)


يتذكر كثير من المؤرخين والمتابعين لتاريخ الاستعمار الفرنسي، ذلك العذر (القبيح) الذي ساقته فرنسا سببا في احتلالها للجزائر، حيث أقدمت على قتل مليون ونصف المليون شهيد، بحجة الثأر (لكرامة وهيبة الدولة الفرنسية)  عندما (حرك) الداي حسين (حاكم الجزائر أنذاك) "مروحته" أمام القنصل الفرنسي، بعد مشادات كلامية بين الأخيرين، طلبت الجزائر خلالها تسديد ديونها المستحقة على فرنسا.


يعود التاريخ اليوم ونتذكر الحادثة، ونحن نتابع الحرب الجارية في الشمال المالي، واستعدادات الحكومة الموريتانية للمشاركة فيها، خصوصا بعد  التصريحات الأخيرة للجنرال محمد ولد عبد العزيز، الذي يجزم كثير من المراقبين على أن عودته ـ قبل فترة ـ من مشفاه في فرنسا محتفظا برئاسته ـ حتى لا أقول بحياته ـ ، كان من أجل القيام بمهمة "المهمات" الفرنسية ـ وآخرها ربما ـ ؛ وهي المشاركة في قتال الجماعات المسلحة في الشمال المالي. لكن الجنرال الذي يعاني من وضع صحي يحد من قوته وسطوته ، منذ إصابته بنيران "صديقة" قبل ثلاث شهور؛  يواجه ـ أمام هذه المهمة ـ وضعا داخليا معقدا؛ تتشابك فيه العوامل السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية.


فالشارع الموريتاني ـ بغالبية أطيافه ـ يرفض المشاركة في  هذه الحرب ، ويسوق ـ في رفضه ـ مبررات عديدة، منها: ما هو أخلاقي ، وشرعي ، واجتماعي ، ومنها ما هو اقتصادي، وسياسي ، وأمني.  فعلماء البلد وأئمة مساجده  أفتوا بحرمة المشاركة ، واعتبروا ذلك "جريمة منكرة ومحرمة شرعا" ، داعين المسلمين إلى مد يد العون لإخوانهم في الشمال المالي، مؤكدين أن هذه الهجمة تأتي في سياق "الاستعلاء والغطرسة على الإسلام والمسلمين" ، كما حذرت الأحزاب السياسية من مغبة وعواقب اتخاذ أي قرار في هذا الإطار ، مذكرة الجنرال بالتزامه أكثر من مرة بعدم الدخول في هذه الحرب ، وهو ما تناقضه تصريحاته الأخيرة في دولة الإمارات ، والتي تجاهلت  ـ حسب سياسيين ـ سيادة البلد وقوانينه  ومؤسساته الدستورية التي يجب أن تكون هي صاحبة الشأن في إقرار الحرب، هذا بالإضافة إلى حديث عن "رفض صريح"  من قبل بعض قادة المؤسسة العسكرية لهذه المشاركة.

وأمام حالة الرفض هذه ، وفي خضم أحداث الحرب وتطور مساراتها وتعقدها ، يجد الجنرال محمد ولد عبد العزيز نفسه بحاجة إلى من يحرك "المروحة " في وجهه؛ حتى يجد مسوغا ـ ولو كان كاذبا ـ للدفاع عن هيبة وكرامة الدولة الموريتانية ، كما وجدت فرنسا ذلك في حادثة "المروحة"، وقامت باحتلال الجزائر والثأر "لهيبتها وكرامة مواطنيها". ومن هنا (وحتى لا نتفاجأ   بتوجيه ضربة للجيش الموريتاني ، ـ لا قدر الله ـ  أو جهة أخرى، على الأراضي الموريتانية ؛)  ينبغي أن نأخذ حذرنا ، ونحصن جبهتنا الداخلية.  فالجماعات المسلحة في الشمال المالي لديها من التهور والغباء السياسي ـ والاختراق الأمني أحيانا ـ  ، ما يجعلها تستدرج إلى فعل كهذا . فضلا  عن كون اتساع نطاق المعارك وتعدد جبهاتها قد يكون في صالح هذه الجماعات ، بما يتيح لها من خيارات أكثر في مهاجمة المصالح الغربية؛  ثم إن هناك أطرافا أخرى (جماعات التهريب مثلا) قد تقوم بهذه المهمة وتٌنسب لـ"ظاهرة القاعدة"، علً ذلك يخفف من حالة الرفض الجماهيرية ، ويضع الشعب الموريتاني أمام "الأمر الواقع"، وكما لو أن جنوده في حالة دفاع عن "هيبة الدولة الموريتانية ، وكرامة مواطنيها"، في وقت يقومون بـ "مهمة عزيز" وأسياده الفرنسيين، الذين تدفعهم لهذه الحرب ، أطماع اقتصادية  وسياسية ، وحنين إلى ماضي استعماري بغيض وسحيق.


إن التصريحات الأخيرة للجنرال محمد ولد عبد العزيز حول استعداده للمشاركة في الحرب إذا ما طلبت الدولة المالية منه ذلك ، والتحركات الجارية  على حدودنا وفي ولاياتنا الشرقية ، قد تفتح الباب أمام مواجهة دموية لا حد  لتداعياتها الوطنية والإقليمية ؛ ما يستدعي ـ من الجميع ـ اصطفافا داخليا، ووعيا لخطورة هذه الحرب، والقيام بتحركات شعبية رافضة لأي مشاركة فيها، وداعمة لقواتنا المسلحة حتى تقطع يد كل من يهدد أمن البلاد واستقرارها، وتقوم باحتياطاتها الأمنية ، وحماية حوزتنا الترابية .  وبهذا نمنع ـ بإذن الله ـ  تحريك "المروحة" في وجه عزيز، ـ والأهم من ذلك ـ نحمي جنودنا وحدودنا ، ونرسل  رسالة واضحة وصريحة إلى جميع الأطراف ـ بما فيها عزيز ـ مفادها أن الشعب الموريتاني لن يقبل باستدراج جنوده إلى حرب على بلد مسلم يراد له أن يمزق ويدمر، وأن أي التزام في هذا المنحى  لا يلزم إلا صاحبه ، لأننا إن تركناه وما يريد هلك جنودنا وهلكنا جميعا ، وإن أخذنا على يديه نجا جنودنا ونجونا جميعا. 

 للمراسلة بريد المختار ولد القاسم ouldkassem@gmail.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق