2012/12/10

يوم في الذاكرة.. (مقال)

كانت قنوات القمر الصناعي التي أتدحرج بينها مرتبة حسب النوع تارة وحسب البلد تارة أخرى، لذا كانت للقنوات الفضائية الموريتانية مساحتها التي تزينت بها كعقد لؤلؤ رص باتقان، وكنت أتقلب بينها كمن يتقلب في فراشه ولم تقع عيني بعد سوى على بعض البرامج المعادة للمرة العاشرة في أغلب حالاتها لكن هذه المرة وقعت عيني فجأة على عنوان برنامج جديد واعد حمل بالنسبة لي الكثير من الأمل
في أن أجد منتجا اعلاميا وثائقيا جديدا جعلني أوقف رحلتي المكوكية بين القنوات لأستمتع بمشاهدة برنامج يدل عنوانه على أنه سيكشف الكثير من المعلومات التاريخية عن وقائع حدثت في تاريخ وطني وظلت الكثير من تفاصيلها طي الكتمان واقتصرت المعلومات المتاحة عنها على ما نسج حولها من قصص شعبية لم تجد من يتقصى مضمونها بالأدلة والمستندات ليخرج إلى الادراك الجمعي قصة محبوكة مربوطة بأدلتها التفصيلية ومشفوعة بما توفر من مستندات تتعلق بها.

بقلم: أحمدو ولد عبد الله

أحسست أنني أمام عمل يوثق للمحطات التاريخية المهمة من تاريخ هذا الشعب الذي ظلت ذاكرته الجمعية رهينة لما يصاغ لها ويراد لها ابتلاعه على أنه هو فعلا ما حدث في محطة ما من تاريخ هذا البلد.

لقد كان عنوان البرنامج (يوم في الذاكرة) بما يحمله من وعود تكتسي أهميتها من كون التاريخ الموريتاني مليئ بالأيام التي حفرت نفسها في ذاكرة هذا الشعب ولا أحب إلى أحدنا من أن يجد الكثير من التفاصيل حول تلك الأحداث التي ارتبطت بها تلك الأيام وجعلتها تحفر لنفسها في الذاكرة، لا عيب عندي في أن يحاكي البرنامج التجربة الرائدة للبرنامج الوثائقي الشهير (حدث في مثل هذا اليوم) فالاستفادة من تجارب الآخرين هي بمثابة الشعلة التي ينير بها كل منا طريقه الخاصة.

بدأت مقدمة البرنامج (على ما يبدو) تتكلم لكن ضعف صوت القناة الاعتيادي منعني من أن أعرف عن أي يوم تتحدث هذه الحلقة من البرنامج ما جعلني أقترب (مشدوها) إلى التلفاز وفي تلك اللحظة بدأت الصور تحدد لي الحقبة التاريخية التي يندرج فيها ذالك اليوم التاريخي وبدأت أسمع السرد المصاحب للصور وبدأت شيئا فشيئا تضح لي ملامح (اليوم الاستثنائي) الذي تدور الحلقة حول أحداثه، وهو على ما يبدو لم يكن (يوم تأميم ميفارما) ولم يكن (يوم ولادة الأوقية) ولا (يوم سقوط طائرة ولد بوسيف) ولم يكن ذلك اليوم (يوم قرر ولد هيداله تطبيق الشريعة الاسلامية) كما انه لم يكن يروي أحداث أيام الانقلابات الناجحة والفاشلة التي تعج بها الذاكرة الموريتانية بكل آلامها وآمالها.

لم يكن يوما يحمل أحداثا تاريخية مصيرية كان لها ما بعدها في تاريخ هذا الشعب ووطنه، لقد كانت مفاجئتي كبيرة حين أدركت أن الحلم الذي انتابني للحظات لم يكن سوى (سراب بقيعة) فلم يكن اليوم الذي يحاول البرنامج سرد أحداثه أكثر من يوم عادي من (أيام معاوية) لا يحمل أية أحداث مهمة، لقد كان مجرد يوم في إحدى الزيارات الكرنفالية، غنى فيه المغنون وقال فيه الشعراء (ما لا يفعلون) و(ما لا يفعل الأمراء)، لقد كان يوما كغيره من أيام معاوية (أهلك فيه الحرث والنسل) وسطر فيه العلماء والعملاء والصلحاء والطلحاء للتحلق حول ولد الطائع مكبلين بأغلال (الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات)، والغريب أنه في أيام معاوية نفسها الكثير من الأيام التي تكتسي أهمية تاريخية لارتباطها بأحداث مهمة مثل (تدشين دومسات) أو (بداية المسلسل الديمقراطي في البلد) –على علاته- فهو حدث في حد ذاته ويستحق الوقوف عنده لمعرفة ملابساته والأسباب التي أدت إلى ميلاده ، لكن أن تختار سلسلة من الرقص والغناء والتزلف في ملحمة النفاق الذي مرد ولد الطائع عليه شعبه وتصنف على أنها أحداث تاريخية تجعل من يوم ما يوما استثنائيا فهو ما لم أستطع أن أفهم مغزاه، حتى أنني أجزم أن من يظهرون في تلك المشاهد يخجلون من أنفسهم لأن الزمن الرديء أرغمهم على الظهور بتلك الطريقة في تلك المشاهد الكرنفالية لا أعاد الله بمثلها، أهي البراءة وعدم المهنية البحته التي تحول دون استكناه التاريخ وتحديد عناصره ومعرفة ما يرقى منه إلى أحداث وطنية لها ما بعدها؟. أم أنه الحنين الى عهد ولد الطايع في أبشع صوره؟، وأتذكر أنه حينها كانت مغانم التلفزة الوطنية في تلك الحفلات الكرنفالية كبيرة فهي تجني الكثير من خلال ابتزاز كل من يريد الظهور في تلك المشاهد، وحينها كانت تمتلك وحدها الحصرية أما اليوم فالقنوات والحمد لله كثيرة وهي أحوج ما تكون إلى السيوله لبناء نفسها والوقوف على أرض صلبة في ميدان لا بقاء فيه إلا لمن لديه ما يقف عليه، الله تعالى أعلم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق